والسوره تحتمل المكية والمدنية.
قوله تعالى: " إذا زلزلت الارض زلزالها " الزلزال مصدر كالزلزلة، وإضافته إلى ضمير الارض تفيد الاختصاص، والمعنى إذا زلزلت الارض زلزلتها الخاصة بها فتفيد التعظيم والتفخيم أي إنها منتهية في الشدة والهول.
قوله تعالى: " وأخرجت الارض أثقالها " الاثقال جمع ثقل بفتحتين بمعنى المتاع أو خصوص متاع المسافر أو جمع ثقل بالكسر فالسكون بمعنى الحمل، وعلى أي حال المراد بأثقالها التي تخرجها، الموتى على ما قيل أو الكنوز والمعادن التي في بطنها أو الجميع ولكل قائل وأول الوجوه أقربها ثم الثالث لتكون الآية إشارة إلى خروجهم للحساب، وقوله: " يومئذ يصدر الناس " إشارة إلى انصرافهم إلى الجزاء.
قوله تعالى: " وقال الانسان مالها " أي يقول مدهوشا متعجبا من تلك الزلزلة الشديدة الهائلة: ما للارض تتزلزل هذا الزلزال، وقيل: المراد بالانسان الكافر غير المؤمن بالبعث، وقيل غير ذلك كما سيجئ.
قوله تعالى: " يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها فتشهد على أعمال بني آدم كما تشهد بها أعضاؤهم وكتاب الاعمال من الملائكة وشهداء الاعمال من البشر وغيرهم.
وقوله: " بأن ربك أوحى لها " اللام بمعنى إلى لان الايحاء يتعدى بإلى والمعنى تحدث أخبارها بسبب أن ربك أوحى إليها أن تحدث فهي شاعرة بما يقع فيها من الاعمال خيرها وشرها متحملة لها يؤذن لها يوم القيامة بالوحي أن تحدث أخبارها وتشهد بما تحملت، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " أسرى: 44، وقوله: " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " حم السجدة: 21 أن المستفاد من كلامه سبحانه أن الحياة والشعور ساريان في الاشياء وإن كنا في غفلة من ذلك.
وقد اشتد الخلاف بينهم في معنى تحديث الارض بالوحي أهو بإعطاء الحياة والشعور للارض الميتة حتى تخبر بما وقع فيها أو بخلق صوت عندها وعد ذلك تكلما منها أودلالتها بلسان الحال بما وقع فيها من الاعمال، ولا محل لهذا الاختلاف بعد ما سمعت ولا أن الحجة تتم على أحد بهذا النوع من الشهادة.
قوله تعالى: " يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم " الصدور انصراف الابل عن الماء بعد وروده، وأشتات كشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق، والآية جواب بعد جواب لاذا.
والمراد بصدور الناس متفرقين يومئذ انصرافهم عن الموقف إلى منازلهم في الجنة والنار وأهل السعادة والفلاح منهم متميزون من أهل الشقاء والهلاك، وإراءتهم أعمالهم إراءتهم جزاء أعمالهم بالحلول فيه أو مشاهدتهم نفس أعمالهم بناء على تجسم الاعمال.
وقيل: المراد به خروجهم من قبورهم إلى الموقف متفرقين متميزين بسواد الوجوه وبياضها وبالفزع والامن وغير ذلك لاعلامهم جزاء أعمالهم بالحساب والتعبير عن العلم بالجزاء بالرؤية وعن الاعلام بالاراءة نظير ما في قوله تعالى: " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء " آل عمران: 30، والوجه الاول أقرب وأوضح.
قوله تعالى: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " المثقال ما يوزن به الاثقال، والذرة ما يرى في شعاع الشمس من الهباء، وتقال لصغار النمل.
تفريع على ما تقدم من إراءتهم أعمالهم، فيه تأكيد البيان في أنه لا يستثنى من الاراءة عمل خيرا أو شرا كبيرا أو صغيرا حتى مثقال الذرة من خير أو شر، وبيان حال كل من عمل الخير والشر في جملة مستقلة لغرض إعطاء الضابط وضرب القاعدة.
ولا منافاة بين ما تدل عليه الآيتان من العموم وبين الآيات الدالة على حبط الاعمال، والدالة على انتقال أعمال الخير والشر من نفس إلى نفس كحسنات القاتل إلى المقتول وسيئات المقتول إلى القاتل، والدالة على تبديل السيئات حسنات في بعض التائبين إلى غير ذلك مما تقدمت الاشارة إليه في بحث الاعمال في الجزء الثاني من الكتاب وكذا في تفسير قوله: " ليميز الله الخبيث من الطيب " الآية الانفال: 37وذلك لان الآيات المذكورة حاكمة على هاتين الآيتين فإن من حبط عمله الخير محكوم بأنه لم يعمل خيرا فلا عمل له خيرا حتى يراه وعلى هذا القياس في غيره فافهم.
(بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الارض لتخبر يوم القيامة بكل ما عمل على ظهرها وقرء رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زلزلت الارض زلزالها " حتى بلغ " يومئذ تحدث أخبارها " قال أتدرون ما إخبارها؟ جاءني جبريل قال: خبرها إذا كان يوم القيامة أخبرت بكل عمل عمل على ظهرها.
أقول: وروى مثله عن أبى هريرة.
وفيه أخرج الحسين بن سفيان في مسنده وأبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل.
أيها الناس كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل ام يتبعها ولدها اعملوا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم وأنكم ملاقو الله لا بد منه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " وأخرجت الارض أثقالها " قال: من الناس " وقال الانسان ما لها " قال: ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) " يومئذ تحدث أخبارها - إلى قوله - أشتاتا " قال: يجيئون أشتاتا مؤمنين وكافرين ومنافقين " ليروا أعمالهم " قال: يقفون على ما فعلوه.
وفيه في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " يقول " إن كان من أهل النار قد عمل مثقال ذرة في الدنيا خيرا (كان عليه ظ) يوم القيامة حسرة إن كان عمله لغير الله " ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " يقول: إن كان من أهل الجنة رآى ذلك الشر يوم القيامة ثم غفر له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق