أخبار قناة العربية

Chat With Your Friends Freely And Openly .. No Limit For Time

الخميس، 10 يونيو 2010

تفسير سورة البينة

أولا : سورة البينة بصوت الشيخ محمود خليل الحصرى



ثانيا : التفسير
(بيان) تسجل السورة رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لعامة أهل الكتاب والمشركين وبعبارة اخرى للمليين وغيرهم وهم عامة البشر فتفيد عموم الرسالة وأنها مما كانت تقتضيه السنة الالهية - سنة الهداية - التي تشير إليها أمثال قوله تعالى: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الانسان: 3، وقوله: " وإن من امة إلا خلا فيها نذير " فاطر: 24، وتحتج على عموم دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنها لا تتضمن إلا ما يصلح المجتمع الانساني من الاعتقاد والعمل على ما سيتضح إن شاء الله.
والسورة تحتمل المكية والمدنية وإن كان سياقها بالمدنية أشبه.
قوله تعالى: " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " ظاهر الآيات - وهي في سياق يشير إلى قيام الحجة على الذين كفروا بالدعوة الاسلامية من أهل الكتاب والمشركين وعلى الذين اوتوا الكتاب حينما بدا فيهم الاختلاف - أن المراد هو الاشارة إلى ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مصاديق الحجة البينة القائمة على الناس التي تقتضي قيامها السنة الالهية الجارية في عباده فقد كانت توجب مجئ البينة إليهم كما أوجبته من قبل ما تفرقوا في دينهم.
وعلى هذا فالمراد بالذين كفروا في الآية هم الكافرون بالدعوة النبوية الاسلامية من أهل الكتاب والمشركين، و " من " في قوله: " من اهل الكتاب " للتبعيض لا للتبيين، وقوله: " والمشركين " عطف على " أهل الكتاب " والمراد بهم غير اهل الكتاب من عبدة الاصنام وغيرهم.
وقوله: " منفكين " من الانفكاك وهو الانفصال عن شدة اتصال، والمراد به - على ما يستفاد من قوله: " حتى تأتيهم البينة " - انفكاكهم عما تقتضي سنة الهداية والبيان كأن السنة الالهية كانت قد أخذتهم ولم تكن تتركهم حتى تأتيهم البينة ولما أتتهم البينة تركتهم وشأنهم كما قال تعالى: " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون " التوبة: 115.
وقوله: " حتى تأتيهم البينة " على ظاهره من الاستقبال والبينة هي الحجة الظاهرة والمعنى لم يكن الذين كفروا برسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بدعوته أو بالقرآن لينفكوا حتى تأتيهم البينة والبينة هي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وللقوم اختلاف عجيب في تفسير الآية ومعاني مفرداتها حتى قال بعضهم - على ما نقل -: إن الآية من أصعب الآيات القرآنية نظما وتفسيرا.
انتهى، والذي أوردناه من المعنى هو الذي يلائمه سياقها من غير تناقض بين الآيات وتدافع بين الجمل والمفردات، ومن أراد الاطلاع على تفصيل ما قيل ويقال فعليه أن يراجع المطولات.
قوله تعالى: " رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة " بيان للبينة والمراد به محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعا على ما يعطيه السياق.
والصحف جمع صحيفة وهي ما يكتب فيها، والمراد بها أجزاء القرآن النازلة وقد تكرر في كلامه تعالى إطلاق الصحف على أجزاء الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم قال تعالى: " في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة " عبس: 16.
والمراد بكون الصحف مطهرة تقدسها من قذارة الباطل بمس الشياطين، وقد تكرر منه تعالى أنه حق مصون من مداخلة الشياطين وقال: " لا يمسه إلا المطهرون " الواقعة: 79.
وقوله: " فيها كتب قيمة " الكتب جمع كتاب ومعناه المكتوب ويطلق على اللوح والقرطاس ونحوهما المنقوشة فيها الالفاظ وعلى نفس الالفاظ التي تحكي عنها النقوش، وربما يطلق على المعاني بما أنها محكية بالالفاظ، ويطلق أيضا على الحكم والقضاء يقال كتب عليه كذا أي قضى أن يفعل كذا قال تعالى: " كتب عليكم الصيام " البقرة: 183 وقال: " كتب عليكم القتال " البقرة: 216.
والظاهر أن المراد بالكتب التي في الصحف الاحكام والقضايا الالهية المتعلقة بالاعتقاد والعمل، ومن الدليل عليه توصيفها بالقيامة فإنها من القيام بالشئ بمعنى حفظه ومراعاة مصلحته وضمان سعادته قال تعالى: " أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم " يوسف: 40، ومعلوم أن الصحف السماوية إنما تقوم بأمر المجتمع الانساني وتحفظ مصلحته بما فيها من الاحكام والقضايا المتعلقة بالاعتقاد والعمل.
فمعنى الآيتين: الحجة البينة التي أتتهم رسول من الله يقرء صحائف سماوية مطهرة من دنس الباطل في تلك الصحائف أحكام وقضايا قائمة بأمر المجتمع الانساني حافظة لمصالحه.
قوله تعالى: " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " كانت الآية الاولى " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " الخ تشير إلى كفرهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابه المتضمن للدعوة الحقة وهذه الآية تشير إلى اختلافهم السابق على الدعوة الاسلامية وقد أشير إلى ذلك في مواضع من القرآن الكريم كما قال تعالى: " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " آل عمران: 19 إلى غير ذلك من الآيات.
ومجئ البينة لهم هو البيان النبوي الذي تبين لهم في كتابهم أو أوضحه لهم أنبياؤهم قال تعالى: " ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الاحزاب من بينهم " الزخرف: 65.
فإن قلت: ما باله تعرض لاختلاف أهل الكتاب وتفرقهم في مذاهبهم ولم يتعرض لتفرق المشركين وإعراضهم عن دين التوحيد وإنكارهم الرسالة.
قلت: لا يبعد أن يكون قوله: " وما تفرق الذين اوتوا الكتاب " الخ شاملا للمشركين كما هو شامل لاهل الكتاب فقد بدل أهل الكتاب - وهم في عرف القرآن اليهود والنصارى والصابئون والمجوس أو اليهود والنصارى - من الذين اوتوا الكتاب، والتعبيران متغايران، وقد صرح تعالى بأنه أنزل الكتاب - وهو الشريعة المفروضة عليهم الحاكمة في اختلافاتهم في امور الحياة - أول ما بدا الاختلافات الحيوية بينهم ثم اختلفوا في الدين بعد تبين الحق لهم وقيام الحجة عليهم فعامة البشر آتاهم الله كتابا ثم اختلفوا فيه فمنهم من نسي ما اوتيه، ومنهم من أخذ به محرفا ومنهم من حفظه وآمن به، قال تعالى: " كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " البقرة: 213 وقد مر تفسير الآية.
وفي هذا المعنى قوله تعالى: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض - إلى أن قال - ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر " البقرة: 254.
وبالجملة فالذين اوتوا الكتاب أعم من أهل الكتاب فقوله: " وما تفرق الذين اوتوا الكتاب " الخ يشمل المشركين كما يشمل أهل الكتاب.
قوله تعالى: " وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " الخ ضمير " امروا " للذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين أي لم يتضمن رسالة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والكتب القيمة التي في صحف الوحي إلا امرهم بعبادة الله تعالى بقيد الاخلاص في الدين فلا يشركوا به شيئا.
وقوله: " حنفاء " حال من ضمير الجمع وهو جمع حنيف من الحنف وهو الميل عن جانبي الافراط والتفريط إلى حاق وسط الاعتدال وقد سمى الله تعالى الاسلام دينا حنيفا لانه يأمر في جميع الامور بلزوم الاعتدال والتحرز عن الافراط وتفريط.
وقوله: " ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " من قبيل ذكر الخاص بعد العام أو الجزء بعد الكل اهتماما بأمره فالصلاة والزكاة على أركان الاسلام وهما التوجه العبودي الخاص إلى الله وإنفاق المال في الله.
وقوله: " وذلك دين القيمة " أي دين الكتب القيمة على ما فسروا، والمراد بالكتب القيمة إن كان جميع الكتب السماوية أعني كتاب نوح ومن دونه من الانبياء (عليهم السلام) فالمعنى إن هذا الذي امروا به ودعوا إليه في الدعوة المحمدية هو الدين الذي كلفوا به في كتبهم القيمة وليس بأمر بدع فدين الله واحد وعليهم أن يدينوا به لانه القيم.
وإن كان المراد به ما كان يتلوه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكتب القيمة التي في الصحف المطهرة فالمعنى أنهم لم يؤمروا في الدعوة الاسلامية إلا بأحكام وقضايا هي القيمة الحافظة لمصالح المجتمع الانساني فلا يسعهم إلا أن يؤمنوا بها ويتدينوا.
فالآية على أي حال تشير إلى كون دين التوحيد الذي يتضمنه القرآن الكريم المصدق لما بين يديه من الكتاب والمهيمن (1) عليه فيما يأمر المجتمع البشري قائما بأمرهم حافظا
* (هامش) *
(1) سورة المائدة، آية 48.

لمصالح حياتهم كما يبينه بأوفى البيان قوله تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " الروم: 30.
وبهذه الآية يكمل بيان عموم رسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشمول الدعوة الاسلامية لعامة البشر فقوله: " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين " الخ يشير إلى أنه كان من الواجب في سنة الهداية الالهية أن تتم الحجة على من كفر بالدعوة من أهل الكتاب والمشركين، وهؤلاء وإن كانوا بعض أهل الكتاب والمشركين لكن من الضروري أن لا فرق بين البعض والبعض في تعلق الدعوة فتعلقها بالبعض لا ينفك عن تعلقها بالكل.
وقوله: " رسول من الله " الخ يشير إلى أن تلك البينة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقوله " وما تفرق " الخ يشير إلى أن تفرقهم وكفرهم السابق بالحق أيضا كان بعد مجئ البينة.
وقوله: " وما امروا إلا ليعبدوا الله " الخ يفيد أن الذي دعوا إليه وامروا به دين قيم حافظ لمصالح المجتمع البشري فعليهم جميعا أن يؤمنوا به ولا يكفروا.
قوله تعالى: " أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية " لما فرغ من الاشارة إلى كفرهم بالبينة التي كانت توجبها سنة الهداية الالهية وما كانت تدعوا إليه من الدين القيم أخذت في الانذار والتبشير بوعيد الكفار ووعد المؤمينن، والبرية الخلق، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: " إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " فيه قصر الخيرية في المؤمنين الصالحين كما أن في الآية السابقة قصر الشرية في الكفار.
قوله تعالى: " جزاؤهم عند ربهم - إلى قوله - ذلك لم خشي ربه " العدن الاستقرار والثبات فجنات عدن جنات خلود ودوام وتصيفها بقوله: " خالدين فيها أبدا " تأكيد بما يدل عليه الاسم.
وقوله: " رضي الله عنهم " الرضى منه تعالى صفة فعل ومصداقه الثواب الذي أعطاهموه جزاء لايمانهم وعلمهم الصالح.
وقوله: " ذلك لمن خشي ربه " علامة مضروبة لسعادة الدار الآخرة وقد قال تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " فاطر: 28 فالعلم بالله يستتبع الخشية منه، والخشية منه تستتبع الايمان به بمعنى الالتزام القلبي بربوبيته والوهيته ثم العمل الصالح.
واعلم أن لهم في تفسير مفردات هذه الآيات أختلافا شديدا وأقوالا كثيرة لا جدوى في التعرض لها من أراد الوقوف عليها فاليراجع المطولات.
(بحث روائي) في تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: البينة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟ قال: يا عائشة أما تقرئين " أن الذين أمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية "؟ وفيه أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية.
أقول: وروى هذا المعنى أيضا عن ابن عدي عن ابن عباس، وأيضا عن ابن مردويه عن علي (عليه السلام)، ورواه أيضا في البرهان عن الموفق بن أحمد في كتاب المناقب عن يزيد ابن شراحيل الانصاري كاتب علي عنه، وكذا في المجمع عن كتاب شواهد التنزيل للحاكم عن يزيد بن شراحيل عنه، ولفظه: سمعت عليا يقول: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مسنده إلى صدري فقال: يا علي ألم تسمع قول الله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " هم شيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمع الامم للحساب يدعون غرا محجلين.
وفي المجمع عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: " هم خير البرية " قال: نزلت في علي وأهل بيته.

ليست هناك تعليقات: