شَيْزَرٌ في العُيونِ
( إلى الشاعر الفارس أسامة بن منقذ(1)
بمناسبة مرور /900/ عام على ميلاده )
شَيْزَرُ(2) اليومَ تستطيبُ المُثُولا
في فَضاءِ الحبيبِ عِشْقاً خَضيلا
تستعيدُ الأيّامَ حُبّاً وحَرْباً
غائباً حاضراً، غريباً خَليلا
وعدوّاً على التُّخومِ مُقيماً
يَرْصُدُ السَّهلَ حولَها والتُّلولا
فَوْقَها الرُّومُ والفِرَنْجُ، وَدُوْدٌ
تحتَ أَضْلاعِها أضاعَ الأُصولا
خِنْجَرٌ فاجِرٌ ولَيلٌ مُريبٌ
هل يرى النَّومُ في العيونِ سَبيلا
كيفَ يَنْجُو الحَبيبُ والدَّرْبُ خَوْفٌ
وحِرابٌ تَخْتَالُ ذِئباً وغُولا
أَزْهَرَ البوحُ في العيونَ فضاءَتْ
شيزرُ الوجدِ قلبَها قِنديلا.
-يا أبا مُرْهَفٍ تَرَوَّ قَليلاً.
-يَبْذُلُ الرّوحَ مَنْ يَرُومُ القَبُولا
شيزرٌ في العيونِ، والجِسْرُ(3) دانٍ
مَنْ يُطيقُ التَّسْويفَ والتَّعليلا
إنَّهُ العِشْقُ يا صَديقيْ فأَقْصِرْ
فَأَخُو العِشْقِ لا يُطيقُ العَذُولا .
يا أبا مُرْهَفٍ، وكيفَ أُنادي
سَيِّدَ الشِّعرِ والقَوافي البَتُولا
يومَ واعَدتني لندخَلَ سِرّاً
حانَةَ الشّعرِ نَرْشُفُ المَجْهُولا
يا سَرَتْنِي الأَشعارُ بعد شِمَاسٍ
واسْتكانتْ إليَّ حَرْفاً ذَليلا
وتداعَتْ بُحورها ورُؤاها
عَرْبَدَ اللَّحْنُ، وانْثَنى مَغْلُولا
أنتَ في حَضْرَةِ الملاحِمِ يا شِعْرُ
فَقَبِّلْ صَفْصَافَها والهَدِيلا
في حِمَى شيزرٍ وفوقَ رُباها
بَوْحُ نايٍ يَحِنُّ صُبْحاً أَصِيلا
نوحُ ناعورةٍ تسامِرُ إِلْفاً
مُدْنَفاً، في الهُيامِ صَبّاً عَليلا
تحتَ صَفْصَافَةٍ تَمُدُّ هَواها
أَمَلاً وارِفاً وظِلاً ظَليلا
إنّنا وابنَ مُنْقِذٍ فَتَذَكَّرْ
أيُّها الشّعرُ أنْ تكونَ جَليلا
كانَ ما كانَ، والزَّمانُ عَصيبٌ،
فارساً، شاعراً، يَراعاً نَبيلا
هادراً في السُّفوحِ لَيْثاً هِزَبْراً
يطردُ الخيلَ والرّجالُ فُلُولا
ثابتَ القلبِ في الحروبِ وفي الحبِّ
يُجيدُ التَّقتيلَ والتَّقبيلا
يرفضُ الملكَ والعروشَ ليمضي
في بلادِ الشَّآمِ عَرْضاً وطُولا .
عَرْشُهُ فوقَ مُهْرِهِ، وحُسَامٌ
ما أَطاقَ التَّصفيقَ والتَّهليلا
أبداً مُشْهَرٌ يَصِلُّ مَهِيباً
في رقابِ الفِرَنْجِ ذُلاًّ طَويلا
يا أبا مرهفٍ، وكيفَ أُوافي
فارسَ الشّعرِ ذاهلاً مَتْبُولا؟
أنتَ واعَدْتَني، وذاكَ مَلِيكٌ
مِنْ ملوكِ الحروفِ يَبْغي المُثُولا
يا امْرأَ القيسِ أينَ تَنْوي الرَّحيلا
وإلى أينَ قَدْ أَرَدْتَ الوُصُولا؟
خَجِلَتْ منكَ شيزرٌ يا مَليكاً
يقصدُ الرومَ زاحفاً مَذْهُولا
تَبْتَغي المُلْكَ في ظلالِ الأَعادي؟
كُنْتَ نَغْلاً، وما عَرَفْتَ الصَّهيلا
نسيتْ شيزرُ الأُباةِ مَليكاً
غابَ دَهْراً، وآبَ شِلْواً ذَليلا
يَأْنَفُ الشّعرُ أنْ تكونَ مَليكاً
كُنْ كَما أنتَ مارِقاً ضِلَّيلا
أيُّها الشِّعرُ نحنُ منهُ بَرَاءٌ
رَوْعةُ الشّعْرِ أنْ يكونَ صَليلا.
سَيِّدَ السَّاحِ هل سمعتَ نِدائي
أرضُ كَنْعَانَ تَرْتَجي أنْ نَصولا
هذه القدسُ تَستغيثُ فأقْبِلْ
وَارِ عُرْيَ الخَليلِ لَبِّ الجَليلا
قُمْ تُشَاهِدْ مَمَالكاً مِنْ سَرابٍ
ومُلُوكا وصَوْلَةً وخُيولا
إنَّهُ الأَمْسُ يستفيقُ مُرِيباً
مَمْلكاتٍ، بَيَارقاً، ونُغُولا
لم يكنْ آخرَ الملوكِ الزَّواني
فأَرِيحا تَبيضُ عَرْشاً هَزِيلا.
يا أَبا مُرْهَفٍ وأنتَ طَرِيدٌ
تحملُ الأهلَ في الضُّلوعِ نَخيلا
كيفَ تَشْكُو الحنينَ والدَّارُ قَهْرٌ
كيفَ لا تَشْتَفِي وتَشْفِي الْغَليلا؟
كيف تُطْوَى طفولةُ الأرضِ قَسْراً
كيفَ تُلْوَى الأَحْلاَمُ وَعْداً قَتيلا؟
كيفَ تَنْفِيكَ شَيْزَرٌ وهَواها
كيفَ تُبْقِيكَ مُفْرداً مَثْكُولا؟
تَقْطَعُ الأرضَ لا صَدِيقَ سِوى السَّيفِ
وعَزْمٍ يُطاولُ المُسْتَحيلا
تَسْتَطِيبُ الحياةَ فَوْقَ جَوادٍ
يَقْحَمُ الهَوْلَ، ما يُطيقُ النُّكُولا!!
-شيزرٌ في العيونِ حُلْمٌ وَجيعٌ
كيفَ يا صاحِ أستطيعُ العُدولا؟
يا نَفِيَّ الأحبابِ لَسْتَ وَحِيداً
غالَ فيه الزَّمانُ حُلْماً جَميلا
نحنُ صِنْوانِ في التَّوَحُّدِ والوَجْدِ
وَحُزْنٍ يَزْدادُ فِينا وُغُولا
هذهِ حانةُ النَّدامَى خَواءٌ
أَنْفَضَتْ صُحْبَةً وغاضَتْ شَمُولا
ما نسيتُ الأحبابَ يوماً وإنيّ
كنتُ في الحبِّ عاشِقاً مَطْلُولا .
إِيهِ يا مِسْعَرَ الحرُوبِ تَأَمَّلْ
كيفَ تَغْدُو الحياةُ عِبْئاً ثَقيلا
نَحْوَ أُمِّ التِّسعينَ تَمشي وَئِيداً
وإلى المَوْتِ كَمْ دَبَبْتَ عَجُولا
كُنْتَ تَمْشِي على السُّيوفِ
وهَا أَنْتَ تَوَكَّأْتَ الوَنَى والنُّحولا
إنُّهُ العُمْرُ "خَيْرُ حِصْنٍ مَنِيعٍ"
سَقَطَ الحِصْنُ واسْتَحالَ طُلُولا
وَنَعَتْهُ مَآذِنُ الشَّامِ نسراً
فَلَقَدْ شاءَ أَنْ يكونَ رَحِيلا
بَقِيتْ شيزرُ الأَحِبَّةِ فيهِ
حُلُماً ناغِراً وَعِشْقاً خَضِيلا
===================================
الهوامش:
1-ولد أسامة بن منقذ عام 1095م وتوفي عام 1188م -488هـ -584هـ.
2-شيزر: قلعة حصينة قرب حماة، سكنها آل منقذ ودافعوا الفرنج قرابة نصف قرن حتى ضربها الزلزال فدمرها.
3-حصن الجسر: حصن على نهر العاصي يحرس مدخل قلعة شيزر.
( إلى الشاعر الفارس أسامة بن منقذ(1)
بمناسبة مرور /900/ عام على ميلاده )
شَيْزَرُ(2) اليومَ تستطيبُ المُثُولا
في فَضاءِ الحبيبِ عِشْقاً خَضيلا
تستعيدُ الأيّامَ حُبّاً وحَرْباً
غائباً حاضراً، غريباً خَليلا
وعدوّاً على التُّخومِ مُقيماً
يَرْصُدُ السَّهلَ حولَها والتُّلولا
فَوْقَها الرُّومُ والفِرَنْجُ، وَدُوْدٌ
تحتَ أَضْلاعِها أضاعَ الأُصولا
خِنْجَرٌ فاجِرٌ ولَيلٌ مُريبٌ
هل يرى النَّومُ في العيونِ سَبيلا
كيفَ يَنْجُو الحَبيبُ والدَّرْبُ خَوْفٌ
وحِرابٌ تَخْتَالُ ذِئباً وغُولا
أَزْهَرَ البوحُ في العيونَ فضاءَتْ
شيزرُ الوجدِ قلبَها قِنديلا.
-يا أبا مُرْهَفٍ تَرَوَّ قَليلاً.
-يَبْذُلُ الرّوحَ مَنْ يَرُومُ القَبُولا
شيزرٌ في العيونِ، والجِسْرُ(3) دانٍ
مَنْ يُطيقُ التَّسْويفَ والتَّعليلا
إنَّهُ العِشْقُ يا صَديقيْ فأَقْصِرْ
فَأَخُو العِشْقِ لا يُطيقُ العَذُولا .
يا أبا مُرْهَفٍ، وكيفَ أُنادي
سَيِّدَ الشِّعرِ والقَوافي البَتُولا
يومَ واعَدتني لندخَلَ سِرّاً
حانَةَ الشّعرِ نَرْشُفُ المَجْهُولا
يا سَرَتْنِي الأَشعارُ بعد شِمَاسٍ
واسْتكانتْ إليَّ حَرْفاً ذَليلا
وتداعَتْ بُحورها ورُؤاها
عَرْبَدَ اللَّحْنُ، وانْثَنى مَغْلُولا
أنتَ في حَضْرَةِ الملاحِمِ يا شِعْرُ
فَقَبِّلْ صَفْصَافَها والهَدِيلا
في حِمَى شيزرٍ وفوقَ رُباها
بَوْحُ نايٍ يَحِنُّ صُبْحاً أَصِيلا
نوحُ ناعورةٍ تسامِرُ إِلْفاً
مُدْنَفاً، في الهُيامِ صَبّاً عَليلا
تحتَ صَفْصَافَةٍ تَمُدُّ هَواها
أَمَلاً وارِفاً وظِلاً ظَليلا
إنّنا وابنَ مُنْقِذٍ فَتَذَكَّرْ
أيُّها الشّعرُ أنْ تكونَ جَليلا
كانَ ما كانَ، والزَّمانُ عَصيبٌ،
فارساً، شاعراً، يَراعاً نَبيلا
هادراً في السُّفوحِ لَيْثاً هِزَبْراً
يطردُ الخيلَ والرّجالُ فُلُولا
ثابتَ القلبِ في الحروبِ وفي الحبِّ
يُجيدُ التَّقتيلَ والتَّقبيلا
يرفضُ الملكَ والعروشَ ليمضي
في بلادِ الشَّآمِ عَرْضاً وطُولا .
عَرْشُهُ فوقَ مُهْرِهِ، وحُسَامٌ
ما أَطاقَ التَّصفيقَ والتَّهليلا
أبداً مُشْهَرٌ يَصِلُّ مَهِيباً
في رقابِ الفِرَنْجِ ذُلاًّ طَويلا
يا أبا مرهفٍ، وكيفَ أُوافي
فارسَ الشّعرِ ذاهلاً مَتْبُولا؟
أنتَ واعَدْتَني، وذاكَ مَلِيكٌ
مِنْ ملوكِ الحروفِ يَبْغي المُثُولا
يا امْرأَ القيسِ أينَ تَنْوي الرَّحيلا
وإلى أينَ قَدْ أَرَدْتَ الوُصُولا؟
خَجِلَتْ منكَ شيزرٌ يا مَليكاً
يقصدُ الرومَ زاحفاً مَذْهُولا
تَبْتَغي المُلْكَ في ظلالِ الأَعادي؟
كُنْتَ نَغْلاً، وما عَرَفْتَ الصَّهيلا
نسيتْ شيزرُ الأُباةِ مَليكاً
غابَ دَهْراً، وآبَ شِلْواً ذَليلا
يَأْنَفُ الشّعرُ أنْ تكونَ مَليكاً
كُنْ كَما أنتَ مارِقاً ضِلَّيلا
أيُّها الشِّعرُ نحنُ منهُ بَرَاءٌ
رَوْعةُ الشّعْرِ أنْ يكونَ صَليلا.
سَيِّدَ السَّاحِ هل سمعتَ نِدائي
أرضُ كَنْعَانَ تَرْتَجي أنْ نَصولا
هذه القدسُ تَستغيثُ فأقْبِلْ
وَارِ عُرْيَ الخَليلِ لَبِّ الجَليلا
قُمْ تُشَاهِدْ مَمَالكاً مِنْ سَرابٍ
ومُلُوكا وصَوْلَةً وخُيولا
إنَّهُ الأَمْسُ يستفيقُ مُرِيباً
مَمْلكاتٍ، بَيَارقاً، ونُغُولا
لم يكنْ آخرَ الملوكِ الزَّواني
فأَرِيحا تَبيضُ عَرْشاً هَزِيلا.
يا أَبا مُرْهَفٍ وأنتَ طَرِيدٌ
تحملُ الأهلَ في الضُّلوعِ نَخيلا
كيفَ تَشْكُو الحنينَ والدَّارُ قَهْرٌ
كيفَ لا تَشْتَفِي وتَشْفِي الْغَليلا؟
كيف تُطْوَى طفولةُ الأرضِ قَسْراً
كيفَ تُلْوَى الأَحْلاَمُ وَعْداً قَتيلا؟
كيفَ تَنْفِيكَ شَيْزَرٌ وهَواها
كيفَ تُبْقِيكَ مُفْرداً مَثْكُولا؟
تَقْطَعُ الأرضَ لا صَدِيقَ سِوى السَّيفِ
وعَزْمٍ يُطاولُ المُسْتَحيلا
تَسْتَطِيبُ الحياةَ فَوْقَ جَوادٍ
يَقْحَمُ الهَوْلَ، ما يُطيقُ النُّكُولا!!
-شيزرٌ في العيونِ حُلْمٌ وَجيعٌ
كيفَ يا صاحِ أستطيعُ العُدولا؟
يا نَفِيَّ الأحبابِ لَسْتَ وَحِيداً
غالَ فيه الزَّمانُ حُلْماً جَميلا
نحنُ صِنْوانِ في التَّوَحُّدِ والوَجْدِ
وَحُزْنٍ يَزْدادُ فِينا وُغُولا
هذهِ حانةُ النَّدامَى خَواءٌ
أَنْفَضَتْ صُحْبَةً وغاضَتْ شَمُولا
ما نسيتُ الأحبابَ يوماً وإنيّ
كنتُ في الحبِّ عاشِقاً مَطْلُولا .
إِيهِ يا مِسْعَرَ الحرُوبِ تَأَمَّلْ
كيفَ تَغْدُو الحياةُ عِبْئاً ثَقيلا
نَحْوَ أُمِّ التِّسعينَ تَمشي وَئِيداً
وإلى المَوْتِ كَمْ دَبَبْتَ عَجُولا
كُنْتَ تَمْشِي على السُّيوفِ
وهَا أَنْتَ تَوَكَّأْتَ الوَنَى والنُّحولا
إنُّهُ العُمْرُ "خَيْرُ حِصْنٍ مَنِيعٍ"
سَقَطَ الحِصْنُ واسْتَحالَ طُلُولا
وَنَعَتْهُ مَآذِنُ الشَّامِ نسراً
فَلَقَدْ شاءَ أَنْ يكونَ رَحِيلا
بَقِيتْ شيزرُ الأَحِبَّةِ فيهِ
حُلُماً ناغِراً وَعِشْقاً خَضِيلا
===================================
الهوامش:
1-ولد أسامة بن منقذ عام 1095م وتوفي عام 1188م -488هـ -584هـ.
2-شيزر: قلعة حصينة قرب حماة، سكنها آل منقذ ودافعوا الفرنج قرابة نصف قرن حتى ضربها الزلزال فدمرها.
3-حصن الجسر: حصن على نهر العاصي يحرس مدخل قلعة شيزر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق